لو تعلّمنا شيئًا واحدًا من الشركات التقنية خلال ربع القرن المُنقضي، سيكون بكل تأكيد التغيّر المُستمر، أو الديناميكية التي تتمتّع بها هذه الشركات عن غيرها، والتي يُمكن أن تُحوّلها من شكل لآخر خلال فترة زمنية غير متوقّعة.
الأمثلة على ذلك كثيرة، فمن كان يعتقد أن تتحول جوجل من مُحرك بحث جبّار إلى شركة تُطوّر واحدًا من أفضل أنظمة التشغيل على مُستوى العالم، وهنا الحديث عن أندرويد، إلى جانب تحوّلها أيضًا إلى تطوير أجهزتها الخاصّة على غرار هواتف بيكسل. نفس الأمر حصل مع فيسبوك، فهي تحوّلت من شبكة اجتماعية إلى كل شيء تقريبًا على الإنترنت باستثناء عمليات البحث.
آبل هي الأُخرى طوّرت عائلة حواسبها المكتبية، والمحمولة، ووصلت إلى حواسب صغيرة توضّع بالجيب -iPhone-، وحواسب بسيطة توضع على معصم اليد، Apple Watch. دون نسيان شركة سناب Snap Inc التي تحوّلت من تطبيق للهواتف الذكية إلى شركة تُنتج نظّاراتها الخاصّة للتصوير.
هذه الاهتمامات بشكل أو بآخر حقٌ مشروع، فالوقوف في نفس المكان لن يُثمر أبدًا، وهذا أيضًا درس من الدروس المجّانية التي أخذناها من شركات على غرار نوكيا، أو ياهو، أو حتى بلاك بيري BlackBerry. وبالتالي لا بُد من التغيّر باستمرار واستكشاف مجالات جديدة علّها تعود بالفائدة، لكن دون نسيان الهوّية الأساسية.
وبالحديث عن موضوع الهوّية، فمايكروسوفت مع بداية الألفيّة الجديدة وحتى عام 2014 كانت بالفعل تسير في طريق الاستكشاف، لكنها تخلّت عن هوّيتها الأساسية، أو تناستها ظنًّا منها أن الجديد أفضل، وهو ما جعلها تسير على حافّة الهاوية قبل استلام ستايا ناديلا Satya Nadella الذي أعادها إلى طريق الصواب.
مايكروسوفت ليس الوحيدة، فشبكة تويتر الاجتماعية هي الأُخرى صالت وجالت ودخلت الكثير من المجالات التي بدت للمُستخدم أنها مُحاولة للاتّساع والتطوّر، لكنها على أرض الواقع لم تُثمر أبدًا، بل ودفعت الشركة نحو الخلف في بعض الحالات.
تويتر باعت مؤخّرًا منصّة Fabric التطويرية إلى شركة جوجل، التي تمتلك بدورها منصّة Firebase، وبالتالي سيتم دمج أدوات Fabric مع Firebase لتقديم أدوات أفضل للمُطوّرين.
هذا الأمر يبدو عاديًا للمستخدم، فتويتر شبكة اجتماعية تُحاول إنقاذ نفسها من خلال التخلّص من الأحمال الثقيلة، فهي أغلقت تطبيق Vine الذي انتقل روّاده مع جمهورهم إلى شبكات اجتماعية ثانية، وباعت منصّة تُقدّم أدوات تُساعد المُطوّرين على تقديم تطبيقات أفضل. لكن الواقع قد يكون غير ذلك، أو ما تفعله الشبكة الاجتماعية على الأقل خاطئ.
لماذا توجّهت سناب نحو إنتاج نظّاراتها الخاصّة وطالبت كذلك باعتبارها شركة مُتخصصة بالتصوير؟ أو لماذا تقفز أمازون ما بين المتجر الإلكتروني، والذكاء الاصطناعي، والتوصيل باستخدام الطائرات بدون طيّار Drones، بالإضافة إلى خدمات التخزين السحابي وإدارة الخدمات السحابية؟
استكشاف جميع المجالات التي يُمكن أن تبرع الشركة بها أمر رائع جدًا، بل تثبيت قدّم في تلك المجالات هو الأروع، لكن هذا يجب أن يتم دون التأثير على الهوّية الأساسية؛ فشركة جوجل لم تُهمل مُحرك البحث الخاص بها أثناء تطوير خدمات أو منتجات أُخرى. حالها حال انستجرام Instagram مثلًا التي تحوّلت من شبكة لمُشاركة الصور إلى بث الفيديو المباشر، لكن في تويتر فالأمر مُغاير تمامًا للأسف!
تويتر تختلف عن الجميع لأنها بالأساس ليست ناجحة على صعيد الشبكات الاجتماعية، بل لم تعد تصلح هذه التسمية عليها بالأساس، وبالتالي تخلّيها عن Fabric أو أي مشروع جانبي آخر، وليكن تطبيق Periscope لبث الفيديو على سبيل المثال لا الحصر، يعني أنها تقتل فرص نجاحها المُحتملة، فمثلما تغيّرت الكثير من الشركات من شكل لآخر، قد تتحوّل هي من شركة كانت يومًا شبكة اجتماعية، إلى شركة تبرع في تقديم أدوات إدارة وتحليل التطبيقات مثلًا.
العناد هو ما دفع ياهو إلى الهاوية، فهي لم تقبل على نفسها -على ما يبدو- فكرة أن تتحوّل إلى شركة لتقديم خدمة التدوين في منصّة تمبلر Tumblr فقط، لذا حاولت بشتّى الوسائل الحفاظ على كل شيء في آن واحد دون جدوى. أما تويتر، فهي باعت Fabric للحصول على مبلغ مالي يُساعدها على الصمود. لكن أين؟ لا أحد يعرف، فالجميع يرى أنها لم تعد تصلح لأن تكون بين الشبكات الاجتماعية، أو لم تعد تمتلك ذلك المكان الذي يُمكن ترميمه بمجرد ضخ المزيد من السيولة الماديّة.
في المُقابل، قد يكون بيع Fabric مُحاولة لتعويض بعض المُستثمرين ماديًا للخروج بصورة ودّية من القارب الذي يبدو أنه يسير في اتجاه واحد سوف تتّضح معالمه مع نهاية 2017 في الغالب.